About Tawf عن طَوْف

In my first blog post for Tawf – Journey, I talk in the beginning about the reason I called this blog a »journey.« Mainly because I will write about the presence of Arabic culture in Germany and Europe, through covering cultural and art events, but also how the culture appears in people’s life and stories. And it will be for me a kind of traveling through these stories, and it will also show how the culture travels from place to place and how its people create their own spaces of belonging and integration.

Then, I told four stories, stories about how I lived and am living in Germany: in Berlin two years ago, while I had a training in culture journalism at the Goethe institute and now, during my residency at Akademie Schloss Solitude and my visit to Berlin.

These stories are about finding and creating spaces by presenting mine and other’s cultures from the Arabic region. Such as one about a café or a bar that presents Arabic culture or evenings that friends from Syria arranged for singing and dancing. I couldn’t meet them in any other place, not in Damascus. Because I am Palestinian with an Israeli passport, it’s impossible to travel there. Or one about a dinner that I arranged in my studio in Solitude where I cooked a Palestinian traditional dish called »maqluba,« and we listened to Arabic music and song. It was kind of a window – although it’s maybe only a small insight into my culture – it’s like inviting people to have a look into it, and to travel there, creating a new warm space, with no borders.

I think it’s a big part of life that each one of us creates their own spaces, where they feel they belong and can express themselves. It’s also a way to feel sometimes at home, even if we are far away from it, either by choice or being forced to go.

Through this blog, I will write in Arabic mostly and I will have a few English translations.

I hope you will enjoy it. Welcome to my space.

 

مقدمة

بداية، سأتحدث عن “طَوْف”، وهذه المساحة التي سترافقني وأرافقها في الأيام القادمة. و”طَوْف” هو مصدر “طافَ”، و”طاف البلاد”، أي جال بها. وهي إحدى مرادفات كلمة “سَفَر”. وهذه المدونة، هذا الفضاء، سوف يتخصص في النّشر عن الثّقافة العربيّة وحضورها في ألمانيا خاصة وأوروبا عامًة.

اختياري لأن أطلق عليه الاسم “طَوْف”، جاء بداية من فكرة أن حضور الثّقافة العربيّة في أوروبا، سواءً في الماضي أو في الحاضر، هو نتاج سفر وترحال ولجوء ناسها من مناطقهم وبلادهم، إن كان اختيارًا أو قسرًا نتاج الواقع السّياسيّ، ووصولهم إلى ألمانيا أو أوروبا عامة. الأمر الآخر هو بأني على يقين بأن الالتقاء بالناس والاستماع إلى قصصهم، كجزء من مسار الصّحافة الثّقافيّة، بالمفهوم الأوسع للثقافة، هو أيضًا سفر لمن يستمع إليها، سفر إلى أماكن وصور وروائح حاضرة أو يتم استحضارها. لذا ستكون هذه المساحة، التي ستُخصص للصحافة الثّقافيّة، سواء بتغطية نشاطات فنيّة وثقافيّة عربيّة في ألمانيا وأوروبا، أو الكتابة عن حضور الثّقافة العربيّة في هذا الحيز، وقصص النّاس، عن تأثير الثّقافة الأوروبيّة على العربيّة على مدار السّنوات، بمثابة تجوال ذاتيّ أيضًا، حيث أن الاستماع إلى قصص الناس، ليس بالضرورة فقط أن يكون من أجل الكتابة عنها، لأني أؤمن أن الصّحفيّ الثّقافيّ هو حكواتي أيضًا، إنما أيضًا ستؤثر على المستمع إليها، وستكون، بالكثير من الأحيان، بمثابة حكمة للحياة.

الفضاءات الآمنة

لم أعرف بداية عن ماذا سيكون نصّي الأوّل هنا، في مدونتي “طَوْف”، وفكرت كثيرًا خلال الأيام الماضيّة، ولكثرة الأفكار في رأسي، لم أعرف بالفعل ماذا سأكتب. بعد جلسة مع زميلتي سيمونا، وهي فنانة مقيمة أيضًا في الأكاديميّة، وخلال حوار أجرته معي حول فضاءاتي، ورؤيتي للفضاء، سواء في بلدي أو خارجها، ومعنى الفضاء الذّاتي والعام، عرفت عندها بأن عن الفضاءات التي أبحث عنها طوال الوقت، عن الفضاءات التي تُشعرني بالأمان والرّاحة، تلك التي نجدها أو نخلقها، خاصة حين نكون بعيدين عن فضاءاتنا الأولى، عنها سأكتب نصّي الأوّل.

فضاءات كثيرة بإمكاننا الحديث عنها، لكني سأخصص هذا النصّ إلى الفضاءات التي تحضر فيها الثّقافة العربيّة في ألمانيا، من خلال اللقاءات الجماعيّة والحفلات، خاصة تلك التي تحضر في الأغاني العربيّة، الرّقص، قراءة الشّعر. وبالتالي، للثقافة دور أساسيّ في خلق فضاءات آمنة.

البحث عن الفضاءات، وخلقها أحيانًا

القصّة الأولى

في العام 2014، كنت في تدريب للصحافة الثّقافيّة في برلين من قبل مؤسّسة “غوته” لمدة شهر. وبرلين، مدينة تحتضن ثقافات عديدة وللثقافة العربيّة حضور خاص فيها. أحبّها، لأنها تتيح لي الالتقاء بأصدقاء وصديقات من العالم العربيّ، والذي في الغالب، لا يمكن لي كفلسطينيّة، تحمل جواز سفر إسرائيليّ بالسّفر إليها، أو هنالك عواقب مثل الحصول على تأشيرة دخول (فيزا)، وبالتالي، لا يمكن لمعظمهم أن يزورني في بلدي. فمدن مثل برلين وغيرها، هي فرصة جميلة للالتقاء بمن آتى من سوريا أو لبنان أو الجزائر، اختيارًا أو قسرًا.

مثل هذه اللقاءات، هي خلق مساحة شبيهة بالمساحة التي كان يمكن أن نعيشها في مدينة كلّ منا، لو كانت الظّروف مختلفة والواقع السّياسيّ ليس على ما هو عليه.

في شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر من العام 2014، قررت صديقة فلسطينيّة من النّاصرة، ومقيمة في برلين، أن تنظّم حفلة في مقهى وبار “الحمرا”، والذي يحتوي على مساحة تضمّ منصة ومعدات الصّوت، وبالتالي ستحتوي الحفلة على فقرات موسيقيّة وغنائيّة.

في تلك الليلة، كان هنالك أصدقاء من بلاد عربيّة كثيرة، غنّت صديقتي أمل اللبنانيّة وعزف على العود عازف سوريّ. بعدها، كانت هنالك فقرات من الغناء الجماعيّ للحضور. هذه الليلة، كانت بمثابة خلق فضاء جميل لكل منا كفرد وكذلك كمجموعة في بلد غير بلادنا. الغناء بالعربيّة، والرّقص على أغانٍ عربيّة، وحديث عن بلادنا وسهراتنا وطقوسنا، هو فضاء آمن لكل منا، والأمان هو أيضًا الشّعور بالانتماء وعدم الغربة.

القصّة الثّانيّة

سأواصل الحديث عن المقاهي والبارات، ومع السّفر، يجد المرء له أماكن ينتمي إليها، مقهى هادئ في حيّ صاخب، أو بار يستمع فيه إلى أغانٍ يحبّها.

حين وصلت هذه المرة إلى ألمانيا، هبطت بداية في برلين، المدينة التي أشتاق إليها ولي بها ذكريات عديدة وأصدقاء كثر. من أهدافي خلال الزّيارة، كانت بالذهاب إلى “بلبل برلين”، وهو مقهى وبار ثقافيّ لصديقي نضال بلبل من غزّة، والذي يعيش منذ سنوات في برلين وكان قد حصل مؤخرًا على الجنسيّة الألمانيّة.

كان حلم نضال منذ سنوات بأن يكون لديه مقهى خاص، ومنذ أن وصل إلى برلين، لم يفارقه هذا الحلم. هو الذي عمل بالصّحافة في غزّة وبعدها في برلين. ومنذ عامين، بدأ بمسيرة البحث عن مساحة يحقق فيها مشروعه، مساحة بعيدًا عن مركز العاصمة، حيث يمكن له أن يبني علاقات مع الزّبائن القادمين إلى المكان، حسب تعبيره.

يهدف “بلبل برلين” الموجود في حيّ “كروتسبرغ” الشّهير، بأن يكون مساحة للثقافة العربيّة وتعريفها إلى الجمهور، من خلال عروض موسيقيّة تقام كلّ يوم خميس، ندوات ومعارض فنّيّة وغيرها من البرامج. وكذلك بأن يكون الفضاء حاضنًا لثقافات عديدة تعيش في برلين.

في أحد أيام الخميس، ذهبت إلى هناك برفقة أصدقائي؛ من فلسطين ولبنان وسوريا، وكان العرض الموسيقيّ لذاك الخميس مخصص لفرقة موسيقيّة ألمانيّة. بعد الاستماع إليها والتفاعل معها، بدأنا بالطقس العربيّ التقليديّ في السّهرات، أي الغناء الجماعيّ، ومن ثم تشغيل موسيقى وأغانٍ نحبّها.. بين الغناء الجماعيّ والرّقص على قدود حلبيّة بصوت الفنان السّوريّ صباح فخري، خلقنا فضاءً جميلًا، يعبر عن هوايتنا، ويستقبلها وسط مكان بعيد عن بلادنا، بما في هذا الشّعور من دفء لكلّ منا.

القصّة الثّالثة

خلال الأسبوع الذي قضيته في برلين، التقيت بأصدقاء سوريّين. أصدقاء، لربما كان من المستحيل أن نلتقي سويةً في مكانٍ آخر. أنا التي لا يمكن لي أن أزور سوريا، بجواز سفري، وهم الذين لا يمكنهم أن يزوروا بلادي. ونتاج الأحداث في سوريا، اضطر العديد منهم اللجوء إلى أماكن أخرى، منها ألمانيا وبرلين خاصة.

معظم أصدقائي اللاجئين السّوريّين، يحبّون برلين، يجدونها مساحة للتعبير عن ثقافتهم وهوياتهم وممارستها كذلك. في مقهى “كوتّي”، التقيت بالصّديق سلام الحسن، رسام وموسيقيّ سوريّ. حول الطّاولة التي بجانبنا، كانت تجلس مجموعة من السّوريّين، جزء منهم يتحدث مع الآخر، وكان أحدهم يعزف على آلة العود.

بعد المقهى، اقترح سلام أن نذهب لزيارة صديق سوريّ آخر في مكان إقامته، ونجتمع كي نغنّي. وفي تلك الليلة، وكما ليالي برلينيّة عديدة، اجتمعنا وغنينا أغانٍ من بلادنا. يسحرني مشهد الغناء الجماعيّ دومًا، خاصة في مثل هذه الظّروف التي التقي بها بأصدقاء قادمين من العالم العربيّ؛ لجميعنا نفس الذّاكرة الموسيقيّة، فسنوات طويلة من الحدود والحواجز وعدم معرفة كل منا لأماكن الآخر، لم تمنع يومًا من تسافر أغنية من الشّام إلى عكّا، أحفظها عن ظهر قلب، وألتقي بسنواتي الثّلاثين بأصدقاء جدد، قادمين من أحياء الشّام، ونغنيها جميعنا كأننا في مقهى في بيروت أو دمشق أو حيفا. هذا المشهد السّاحر، هو بمثابة سفر لذواتنا، من المكان الحقيقيّ الموجودين فيه، إلى أماكن تبعد عننا ساعات عبر الطّيارة، والكثير مننا، لا يمكن له أن يعود إليها.

في اليوم التالي، رافقت صديقي سلام إلى محل بيتزا، صاحبه فلسطينيّ سوريّ جاء إلى برلين في سنوات السّبعين. وفي هذا المكان، يلتقي كلّ يوم ثلاثاء مجموعة من السّوريّين والسّوريّات الذين يعيشون في برلين منذ أكثر من 30 عامًا. منهم، خال صديقي سلام، رجلٌ يبلغ الثمانين من عمره.

تلتقي المجموعة كل ثلاثاء، لتناول العشاء واحتساء المشروبات وغناء أغاني كلاسيكيّة عربيّة وإلقاء قصائد من الشّعر الكلاسيكيّ العربيّ. بالنسبة لي، رأيت أن هذه اللقاءات المتكررة تنبع من حاجة لأن لا ينسى أي منهم من أين أتى، ولممارسة ثقافتهم والتعبير عنها، بين بعضهم البعض، من أجل خلق فضاء آمن كذلك، يحافظ على عدم شعورهم بالغربة أبدًا، وسط ممارسة حياتهم اليوميّة وتفاصيلها في برلين.

القصّة الرّابعة

قبل أيام، قمت بدعوة زملائي في الأكاديميّة للعشاء. وجهزت لهم أحد الأطباق الفلسطينيّة التراثيّة؛ “المقلوبة”، مع السّلطة العربيّة واللبن. وصل المدعوون عند الثّامنة والنّصف مساءً. وبالخلفية، استمعنا إلى موسيقى وأغاني عربيّة من بلاد كثيرة. وعند منتصف السّهرة، قررت أن أسمعهم مقطعًا من أغنية “بعيد عنك”، لأم كلثوم، وهو مقطع “كنت بشتقلك وإنت هنا.. بيني وبينك خطوتين”. ترجمت لهم المقطع وحدثتهم عن أم كلثوم.

في اليوم التالي، أدركت بأنّ دعوة العشاء وكل ما دار فيها من تفاصيل، كانت بمثابة شباك، ولوّ صغيرًا، على جزء من الثّقافة العربيّة، جزء فرديّ وذاتيّ نابع مني، على ثقافتي كعربيّة فلسطينيّة؛ الطّعام، الموسيقى، الأغاني والقصص.

كانت هذه الليلة، بمثابة مرحلة إضافيّة في إقامتي، مرحلة خلقت فيها فضاءً تعريفيًا على ثقافتي الذّاتيّة النابعة من الجمعيّة لزملائي. فضاء يخفف قليلًا من شعور الغربة، ويضيف كثيرًا من الانتماء لهذا المكان، كان طَوْفًا دافئًا وسلسلًا من غرفتي في شتوتغارت إلى بيتي في عكّا برفقة أصدقاء جميلين.